العجز المكتسب- كيف تشوه الثقافة التقليدية حياة النساء وتعيق تقدمهن

المؤلف: بشرى فيصل السباعي10.22.2025
العجز المكتسب- كيف تشوه الثقافة التقليدية حياة النساء وتعيق تقدمهن

تشهد المرأة اليوم تحولات جمة تمنحها آفاقًا أرحب لحياة أكثر ازدهارًا وبهجة، بيد أنها لا تزال تقبع أسيرة لإحساسها بالعجز، غير قادرة على استثمار كامل طاقاتها الكامنة لتحقيق ذاتها المنشودة. هذا الشعور يعزى إلى ما يعرف في علم النفس بـ "العجز المتعلم" أو "العجز المكتسب"، وهو وليد ثقافة مجتمعية راسخة وأنماط تربية تقليدية تكرس التمكين للذكور بينما تغذي الشعور بالعجز لدى الإناث. فأساليب التنشئة التقليدية غالبًا ما تشوه الفتيات ذهنيًا ونفسيًا واجتماعيًا، مما يجعلهن غير قادرات على الاستفادة من الفرص المتاحة للمرأة في المجتمع. لقد بات الشعور بالعجز مرادفًا لمفهوم الأنوثة في التصورات التقليدية، ما يعكس نظرة دونية للمرأة. وهذا يختلف جوهريًا عن النظرة السائدة في المجتمعات الغربية، حيث يُنظر إلى المرأة على أنها قادرة وفاعلة كالرجل، ولا يرتبط جنسها بالشعور بالعجز. ومن اللافت للنظر أن العجز المكتسب قد استُخدم كأداة تعذيب قاسية من قبل القوات الأمريكية في معتقل غوانتانامو، بهدف التحطيم النفسي والعقلي للمعتقلين. وهذا يفسر جزئيًا سبب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض النفسية بين النساء في مجتمعاتنا مقارنة بالرجال. ينتج عن هذا الشعور بالعجز لدى النساء جملة من السلوكيات السلبية المتكيفة معه. فعلى سبيل المثال، تلجأ النساء بشكل أكبر من الرجال إلى العرافين والمنجمين، بحثًا عن الاطمئنان على مستقبلهن، لأنهن يشعرن بالعجز عن صنعه بأنفسهن. وفي عالمنا العربي، نرى الأم التي تفقد معيلها ترسل أطفالها للعمل في الشارع، غير مدركة لقدرتها على العمل وإعالة أسرتها. وفي حالات العنف الأسري، تستسلم الضحية للعنف، حتى وإن وصل إلى حد تهديد حياتها، ولا تطلب المساعدة. وبالمثل، في حالات الاعتداءات الجنسية، غالبًا ما تستسلم الضحية للمعتدي دون مقاومة ولا تشتكيه، وهو ما يعرف بمتلازمة ستوكهولم. إن تربية الفتيات على العجز المكتسب ليست في صالح الأسرة، بل هي سبب لشقاء المرأة والأسرة بأكملها. فالزوج في العصر الحديث يحتاج إلى زوجة تكون سندًا وعونًا له، لا أن تكون عبئًا عليه بسبب شعورها بالعجز عن تحمل المسؤولية. لذا، يفضل العديد من الرجال الزواج من امرأة عاملة قادرة على المشاركة في تحمل أعباء الحياة. فالتربية السليمة لكلا الجنسين هي التربية على التمكين والاعتماد على النفس والقدرة والفاعلية، فهذا وحده ما يضمن لهم فرص حياة أفضل وأكثر سعادة. وفي بعض الأسر الفقيرة، قد تؤدي الثقافة السلبية إلى اكتساب حتى الأبناء الذكور للعجز المكتسب، حيث يعتقدون أن الفقر قدرهم ولا جدوى من محاولة تغييره. وبالمثل، فإن ثقافة العجز السلبية المرتبطة بالتقدم في العمر تجعل كبار السن يهملون صحتهم ونشاطهم الاجتماعي، بينما نجد أن كبار السن في المجتمعات الغربية يعيشون حياة نشيطة وصحية لأنه ليس لديهم ثقافة العجز المرتبطة بالتقدم في العمر. يترتب على الشعور بالعجز فقدان احترام الذات والشعور بعدم الرضا عن الذات والاكتئاب والسلبية وفقدان الدافعية. لذا، هناك حاجة ماسة إلى حملات توعية شاملة تتضمن رسائل تصحيحية لثقافة العجز المكتسب في المجتمع، واستبدالها برسائل تمكين لجميع فئات المجتمع. فالتمكين هو السبيل الوحيد لإطلاق الطاقات الكامنة وتحقيق التنمية المستدامة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة